يعتبر الانهيار العصبي أحد الاضطرابات الطبية الخطيرة، إذ يطاول ما يقرب من 15 إلى 20 % من الأشخاص في حقبة أو أخرى من حياتهم، وهو يظهر بشكل عوارض مختلفة تتبدى من خلال التفكير، والمشاعر، والتصرفات.
الانهيار العصبي يصنف كمرض عقلي، يكثر وقوعه، وعلاجه ممكن. أما انعدام العلاج له، فيؤدي إلى تدهور حالة المصاب به بدرجة كبيرة، فالعارض وكنتيجة لذلك يمكن أن يستمر لعدة أشهر، وربما حتى سنوات، إن لم نقل أنه قد يستمر أحياناً طوال حياة المصاب. والواقع أن الانهيار العصبي قد يتبلور متخذاً أشكالاً مختلفة، تبعاً لطول مدة الانهيار، ولحدة الألم أو الحزن الذين يعاني منهما المصاب.. فعلى سبيل المثال نجد أن حالة الـ La dysthymie وهي نموذج تكون مترافقة بطباع إنهيارية، تستمر لأكثر من سنتين، وتتميز بحدة خفيفة أو معتدلة.
غالباً ما يعجز المصاب بالانهيار العصبي عن تحديد وقت ابتداء هذا المرض فيه، وعلى هذا فوجود الطبيب المعالج لحالات الانهيار العصبي هو أكثر من ضروري، وإلا فإن نتائج الأهمال أو التسويف فهي خطيرة جداً.
العوارض الأكثر شيوعاً:
يذكر المركز الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأميركية، أن هناك 23 من الأشخاص المصابين بالانهيار العصبي لا يتلقون علاجاً، لأن عوارضهم تتميز بكونها:
1- غير معروفة.
2- سوء في التشخيص، وبالتالي علاج بطريقة خاطئة.
3- تفاقم حالة الانهيار هذه، بحيث يصبح المصاب غير قادر على طلب العون.
4- إعتياد الحالة هذه بسبب ضعف في شخصية المصاب.
وعليه، فالطريقة المثلى للعلاج، تتبلور من خلال معرفة العوارض المتكررة للانهيار العصبي، ويمكن حصر هذه العوارض بشكل إجمالي من خلال هذه اللائحة:
1- التغيرات المزاجية:
أ- مزاج انهياري يظهر عملياً طوال النهار، وفي أكثر الأوقات.
ب- عدم الرغبة بالقيام بكافة النشاطات اليومية.
ج- ضمور الرغبة الجنسية، وعدم الاكتراث بالجنس الآخر.
د- سرعة الغضب.
هـ- الميل الدائم للبكاء.
و- الشعور المستديم بالضعف وخيبة الأمل.
2- العوارض الجسدية:
أ- نقصان في الوزن أو زيادة فيه، انخفاض الشهية للطعام أو ازديادها.
ب- صعوبة دائمة في النوم (أرق)، أو النوم لساعات طويلة.
ج- هياج حركينفسي (انعدام القدرة على البقاء في مكان معين) أو بطء في الدوافع (بلادة شديدة في الحركات).
د- تعب وانخفاض في النشاط.
هـ- عوارض جسدية أخرى من قبيل الإمساك، آلآم الرأس، الغثيان.. وهذه العوارض غير قابلة للاختفاء حتى بعد زوال حالة الانهيار العصبي.
3- تغير في التفكير، أو في القدرة على التركيز.
أ- الشعور بانخفاض القيمة، وعدم النفع.
ب- الشعور المفرط بالذنب، وانعدام الملائمة.
ج- صعوبة في التفكير، والتركيز، واتخاذ القرارات.
د- التفكير المستمر بالموت أو بالانتحار.
هـ- اللجوء إلى الانتحار.
4- عوارض أخرى:
أ- قلق نفسي.
ب- ضعف في تقييم قدرات الذات.
ج- تعاطي الكحول والمخدرات.
5- في العمل:
أ- انخفاض في الانتاجية.
ب- الشعور بالوهن والاحباط في العزيمة.
ج- عدم التعاون مع الآخرين.
د- انعدام الطمأنينة.
هـ- التعرض للحوادث
و- الغياب المتكرر.
ز- شكوى من الإحساس بالتعب المستمر.
ح- الشكوى الدائمة من الشعور بضيق غير مفهوم.
مميزات الانهيار العصبي عن الأمراض المزمنة الأخرى:
لطالما اعتبر الانهيار العصبي كشؤم يصيب فرداً معيناً، ويحول حياته إلى جحيم.. ويعتبر الآن من الأمراض المزمنة، ويمكن توصيفه باعتبار كونه حالة عطب.. فالاشخاص الذين لا يتبعون علاجاً وقائياً على أثر اصابتهم بهذا المرض، يكونون أكثر عرضة للانتكاس مرة أخرى في السنوات الثلاث التالية، بنسبة 50%.. وهذه النسبة قد تطرد وتتسع إلى 70% بعد حادثتي انهيار، وإلى 90% بعد حوادث عدة.
تكثر مع الأسف الأحكام المسبقة التي تطال المصابين بالانهيار العصبي مقارنة بالاحكام المرافقة للأمراض الأخرى المزمنة من مثل: السكرى، أمراض القلب .. الخ.. وتتمحور هذه الأحكام المسبقة باعتقاد الكثيرين.. بل وربما حتى المصابين بهذا المرض أنفسهم.. أن الانهيار العصبي مرض مرتبط بضعف في شخصية المصاب، وهذا بالطبع أمر خاطئ.
ترى المنظمة العالمية للصحة أن المصابين بالانهيار غالباً ما يعانون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من المقربين, وأرباب العمل، ويشعرون بالعزل والانكفاء عن النشاطات الاجتماعية، ويتفاقم لديهم الاحساس برفض الآخر لهم.. وكل هذا وغيره، يزيد من شعورهم اتجاه أنفسهم بالذل والاحتقار.
لماذا أنا؟
سؤال لطالما يطرحه المصاب بمرض الانهيار العصبي، وفي سبيل التوسع بهذا، فلا بد لنا أولاً من التذكير بأن الانهيار العصبي هو مرض معقد لا تزال أسبابه الحقيقة غير معلومة بشكل تام.. وإنما يمكن اعتبار طروئه ناتج عن عوامل عديدة، غالباً ما تكون مترابطة ببعضها البعض لدى المريض، وتتضمن:
أ- العناصر الجينية والورائية.
ب- حزن شديد، أو صدمات نفسية قوية، تعرّض لها المصاب إبان طفولته.
ج- اسباب بيولوجية - اختلالات كيميائية في الجسم.
د- فترات طويلة من القلق.
هـ- صفات شخصية من مثل: التشاؤم، احتقار الذات، القلق الدائم.
و- أمراض أخرى، مثل التعرّض لنوبات قلبية، أو الاصابة بانسداد الشرايين.
هل الانهيار العصبي عائد لخلل كيميائي في الدماغ؟
بالواقع هناك تغيرات كيميائية تحصل في الدماغ، يمكن لبعضها أن يؤدي إلى انهيار عصبي. فالحال هنا، كما هو لدى المصاب بداء السكري، حين يحتاج دوماُ إلى الانسولين، فالمصاب بالانهيار العصبي يحتاج دوماً إلى المضاد لحالته تلك، وذلك في سبيل إعادة التوازن الطبيعي للمواد الكيميائية في الدماغ، كما ويحتاج للعلاج النفسي في سبيل مساعدته لاكتشاف واستخدام مكامن القوة وأساليب المواجهة لمشاكله في الحياة.. وبالتالي السيطرة على القلق.